الحياة والموت في غزة مش اشياء عادية ولا أشياء طبيعية
8 أشخاص انقتلوا
قبل 15 سنة
حي التفاح، مدينة غزة
حوّل محمود الخليلي الطابق الأرضي في بيت عيلتو الكائن في حي التفاح في الجهة الشرقية لمدينة غزة لمشغل. كِبر المشغل مع الوقت وصار مصنع زغير ملاصق لبيت العيلة. أولاد محمود؛ أشرف وأحمد بشتغلو مع أبوهم في المشغل وصارو ميكانيكيين متخصصين بالمواكين تبعة المصنع والمستوردة من ألمانيا. كان مشغل العيلة بيشتغل كويس برغم الاحتلال الاسرائيلي والحصار اللي خنق الاقتصاد المحلي بغزة وخلى نص سكانها عاطلين عن العمل. المصنع بنتج مواد خشبية وبلاستيكية بسيطة وسريعة الاشتعال زي عصي المكانس.
ابن محمود؛ أشرف اللي عمره 37 سنة، بيضحك، وهادا لما بيضحك، كل جسمه بنهز هز! أشرف كتير مضياف، زي كل أهل غزة. لما بيعزم ضيوفه على بطيخ مثلا بكون لحوح وبيضل يعزم عليهم كتير عشان ياكلو وبنقيلهم أحلا وأطرى شرحات بطيخ، مكنش بيوقف عزيمة عليهم لحد ما الصينية تفضى عالآخر.
أشرف وصحابو اللي بيعرفهم من وهو زغير بحي التفاح بيلتقو بشاليه على شط مدينة غزة كل آخر أسبوع. بالشاليه كانوا يدخنو أرجيله ويلعبو شدّة ويدردشو عن الهموم اللي عندهم بالبيت. أشرف وكل صحابو متجوزين وعندهم ولاد. أشرف وزوجته نداء عندهم تلت أولاد اعمارهم من سنتين لسبع سنين واسمائهم محمود وديما وزياد. أشرف كان كتير فخور بولادو، وخصوصي ديما اللي هي قرة عينو لأبوها حسب ما هو بيقول. ديما بنت صغيرة وحيوية كتير. الولاد هم فرحة البيت اللي فوق المصنع، البيت اللي بعيش فيه تلات أجيال من عيلة الخليلي.
كان الشط مليان بالناس بعد الظهر من يوم جمعة حر. الولاد بلعبو في المي والعائلات بيشوو وبشطحو وبستمتعو في المكان الوحيد المفتوح في القطاع وللي هو البحر؛ شباكهم الوحيد في زنزانة السجن اللي صارت عليها غزة. سكان غزة بيعرفو انو انفتاح البحر مجرد وهم، واذا هم حاولو انهم يبحرو أكتر من تلات أو أربع أميال بحرية جوا البحر، بتيجي البحرية الاسرائيلية وبتهاجمك وبتعتقلك وبتصادر قاربك. أشرف وصحابو كانوا يقضو فترة المسا وهم يتخيلو كيف ممكن العيشة تكون بمكان عادي. مش تحت الحصار الاسرائيلي، ولا تحت التهديد المستمر بالتفجيرات، ولا تحت حكم حكومة محافظة. كيف يا ترى بحس الواحد وهو حر؟ هادا السؤال بيسألوه ناس كتير جوا القطاع المحاصر.
8 تموز 2014
إسرائيل بتشن عملية عسكرية ضخمة ضد القطاع سمتها الجرف الصامد بدتها بقصف جوي.
17 تموز 2014
بدا الجيش الاسرائيلي بالهجوم البري. الجهات الشرقية من القطاع هي المعرضة أكتر لنيران المدفعية وتصويبها اللي مش دقيق بصورة كبيرة. مساحة هدف قذيفة المدفعية خمسين بخمسين متر، وحتى لما تسقط القذيفة في مدى مية متر من الهدف، لسا بتعتبر تصويب لضربة. مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان استنتج في تقريره انو وبسبب طبيعة القذائف المدفعية اللي ما بتميز الاهداف بشكل دقيق، بكون استعمال المدفعية في المناطق المكتظه بالسكان واللي هي أغلب مناطق قطاع غزة خرق للقانون الدولي العرفي اللي بمنع الهجوم المباشر على المدنيين وبعتبرو حتى جريمة حرب. بس إسرائيل بهداك الصيف رح تطلق حوالي 35 الف طن من قذائف المدفعية على قطاع غزة.
29 تموز 2014
حي التفاح
الليل مرعب والقنابل بتتفجر في كل مكان. بالنسبة لعيلة الخليلي، صار واضح الهم انو مش آمن انهم يضلو في حي التفاح أكتر من هيك.
30 تموز 2014
الصبح بكير، حي التفاح
محمود جمّع ولاده وأحفاده الصبح وبدا يوزع فيهم على بيوت قرايبه البعيدة عن الحدود مع إسرائيل. كان تقريبا مستحيل يلاقي سيارة تنقلهم مع النقص الحاد للبنزين. كمان السواقيين كانوا خايفين يدخلو المناطق اللي فيها معارك وقتال واستهداف. عيلة الخليلي أصلا بدها أكتر من سيارة تنقلها، كان في تقريبا في 30 فرد في البيت اللي لازم يتم إخلائهم.
الساعة 9:30 الصبح، 30 تموز 2014
محمود الخليلي وزوجته نائلة وبنتهم وتلاتة من ولادهم طلعو في سيارة. أشرف وأخوه الأصغر منه أحمد مع عِيلهم كانو آخر ناس بنتظرو عشان تيجي تاخدهم سيارة. آية زوجته لأحمد كانت حامل وعندهم بنت اسمها لمى وعمرها أربع سنين. محمود قال لاولاده أشرف وأحمد قبل ما يطلع بالسيارة إنهم يطلعو بسرعة قد ما يقدروا ويكونو جاهزين ينطو بأي سيارة تيجي. أشرف وأحمد مع عيلهم قعدو في البستان اللي قدام البيت ينتظرو.
الساعة 9:35 الصبح، في البستان
الجنود الاسرائيليين أطلقوا قذيفتين مدفعية. القذيفتين سقطو وانفجروا في البستان في المكان اللي أشرف وأحمد وعيلهم قاعدين. المصنع اللي تحت البيت بسرعة لقط النار اللي انتشرت كمان بزيادة وطلعت ع الطوابق الفوقانية في البيت. محمود ابن أشرف اللي عمره سبع سنين ما بيفقد الوعي أثناء الانفجار ولا فقد الوعي لما أهلو كانو محاصرين بالنار من كل جهة. بعدين لما يودوه على المستشفى رح يوقع بغيبوبة.
الساعة 9:40 دقيقة، في السيارة
تلفون محمود بدا يرن وهم لسا في السيارة هاربين من القصف، كان المتصل وحدة من بناتو عايشة بحي التفاح ولسة ما تركت هي وعيلتها المنطقة. ع التلفون كانت تبكي وتقول لأبوها: “كلهم ماتوا”.
حوالي الظهر، جوا مشرحة مستشفى الشفاء، مدينة غزة
كان المفروض بالأكياس البلاستيك الخضرا انها تخفي الجثث المتفحمة. بس كانت في ايد طالعة من تحت كياس البلاستيك بتورجي الحالة اللي فيها بقايا جثث عيلة الخليلي. جوا كيس بلاستيك تاني كان فيه تلات أشخاص، نداء واولادها التنين وكلهم محروقين ومشوهين وجثثهم ملزقة ببعض. كان إبراهيم، أخو أشرف وأحمد واللي عمره 18 سنة بحاول يتعرف على الجثث. بس مقدرش يتعرف على جثث أهلو.
حوالي الظهر، برا مشرحة مستشفى الشفاء، مدينة غزة
ولد تاني من ولاد محمود الخليلي، اسماعيل، اللي عمره 20 سنة ببكي من الوجع قدام مشرحة الشفاء في مدينة غزة.
3 آب 2014، العريش، مصر
محمود اللي انبعت ع مصر عشان يتعالج بموت من الحروق اللي بتغطي كل جسمه قبل ما يوصل لمستشفى. اسماعيل، فرد تاني من عيلة الخليلي ببكي بألم قدام مشرحة مستشفى الشفاء في غزة.
تشرين الثاني، 2014
محمود الخليلي وزوجته وولادهم ابراهيم واسماعيل وإخوة تانيين الهم لسا عايشيين في البيت المحروق جزئيا واللي ممكن ينهار بأي لحظة. ريحة حيطان بيت الدرج المحروقة والمتفحمة والانقاض والرماد اللي بغطي البستان بتذكرهم بشكل دائم بالمأساة. غرف الناس اللي انقتلت انتركت ع حالها وما حدا لمسها. كانوا الأفراد الباقيين من عيلة الخليلي بدهم يتركو البيت ويستقروا بمكان تاني. بس هالشي كان صعب عليهم مع وجود 100 الف شخص بدون مأوى في غزة بعد العدوان والنقص الموجود أصلا في المساكن. وحتى لو لقو مسكن تاني، كانوا مش عارفين كيف بدهم يدفعو للبيت الجديد. بدون إعادة الإعمار الاشياء مش رح تصير سهلة بالمره عليهم.
كان مصنع العيلة مدمر بشكل كامل، بالنسبة لعيلة الخليلي مكنش المصنع بس مصدر رزق الهم او للعشر او عشرين عامل اللي بوظفوهم في المصنع. كانت كل حياة العيلة بتدور حوالين هالمصنع.
حلم بحياة عادية
في الشاليه اللي ع البحر في حزيران الماضي، بعد ظهر يوم جمعة حار، أشرف و صحابه حاولو يتخيلو كيف بيكون شكل الحياة العادية. إخوة أشرف اللي عاشو، إبراهيم وإسماعيل، كمان نفسهم وبتمنو حياة عادية. إسماعيل بدو يروح ع ألمانيا عشان مش مآمن انو غزة ممكن توفر حياة عادية لسكانها في المدى القريب. أخوه إبراهيم بيسأل وبشكل خطابي: هم بفكرو انو الناس في غزة حيوانات؟ إحنا كمان بشر، واحنا مش عايشيين حياة طبيعية هون.
إبراهيم بيحكي عن حياة “طبيعية” بدل ما يحكي عن حياة “عادية”. يمكن هادا اختياره للكلمات وهالاختيار ممكن يكون أكتر من خطأ زغير لشخص عندو إلمام محدود بالإنجليزي. أكيد، نوع الحياة اللي بتتكشف في غزة مش عادية، فش اشي عادي بإنك تقضي تلات أرباع يومك بدون كهربا بعز الحر أو البرد. كمان مش عادي انك تفتح حنفية المي وتلاقي مي مالحة طالعة أو ما تلاقي مي أصلا. مش عادي إنك متقدرش تترك القطاع وإنك تكون عرضة للقصف الجوي والبري والبحري كل سنتين. كمان مش عادي تكون مش قادر تزرع أرضك أو تصيد سمك بدون ما انك تكون هدف للنيران الإسرائيلية.
بالزبط زي ما قال إبراهيم، الحياة في غزة إشي أكتر من مش عادي، هي مش طبيعية. الإنتظام في دورات القصف الإسرائيلي مش طبيعي، كمان المثابرة العنيدة إنها الناس تبقى وتعيش رغم انو حبايبهم ماتو إشي مش طبيعي. الإنفتاح وكرم الضيافة تبع أهل غزة رغم إنهم معزولين عن العالم كمان مش طبيعي.
وحدة من الصور الممكنة للمستقبل
اذا الواحد بدو يتخيل صورة ممكنة للمستقبل، بشوف فيها صورة مجمعين فيها وجوه الضحايا موجودة عادة في بيوت غزة وكمان في بيت عيلة الخليلي المجدد. الحيطان رح تندهن أبيض مرة تانية. الوقت رح يمرق والحزن رح يخف، بس ولا حدا رح ينسى الناس اللي انقتلو. الحصار المصري- الإسرائيلي رح ينفك عن القطاع والناس رح تقدر تتحرك بحرية. إسماعيل رح يروح لألمانيا زي ما كان دايما بدو. إبراهيم رح يخلص دراسته في مجال إدارة الأعمال ويساعد أبوه يبنو المصنع من جديد. بس العيلة مش رح تقدر تحلم حقيقة بمستقبل عادي بعد المصيبة اللي نزلت عليهم. بس الحياة بدون الحصار والتهديد الإسرائيلي الدائم بتصير أقرب للحياة الطبيعية.
الأشخاص اللي انقتلو في العدوان في مدينة غزة
30 يوليو 2014
أشرف محمود الخليلي 33 سنة
نداء زياد الخليلي 27 سنة، زوجة أشرف
ديما أشرف الخليلي 5 سنين، بنت أشرف
محمود أشرف الخليلي 7 سنين، ابن اشرف
زياد محمود الخليلي سنتين، ابن أشرف
أحمد محمود الخليلي 28 سنة، أخو أشرف
آية محمد الخليلي 23 سنة، زوجة أحمد، حامل في الشهر التالت