عبد الهادي مجدلاوي بحب يحكي عن السياسة وعن ماضيه. بتذكر الوقت اللي قضاه في السجن في الانتفاضة الأولى والوقت اللي كان فيه يشتغل في إسرائيل واللغات اللي كان يعرفها وبطًل واللي هي العبري والانجليزي. بيحكي: “كان مفروض اتجوز ست اسكتلندية كانت هي كمان تشتغل في إسرائيل”. زوجته عطاف حكت وهي تبتسم: ” بعرف هادي القصة كويس” بس قاطعته قبل ما يبدا يحكي بقصة قديمة تانية. هيك هادي العيلة صبورة ومنفتحة وحنونة على بعض.
حتى الطقس تغير
4 أشخاص انقتلواعيلة مجدلاوي كانو دايما بنبسطو وهم بحكو مع بعض ويضحكو على ذكرياتهم وبكونو لطيفين مع بعض. من حد العدوان الإسرائيلي الصيف الماضي كتير اشياء تغيرت بحياتهم. عبد الهادي بيحكي: “كان عنا بيت حلو ومتين من تلات طوابق”. كمل عبد الهادي الكلام وهو قاعد في الساحة القدمانية لبيت مستأجر جديد مسقوف بطبقة رفيعة من البلاستيك اللي بوفرش حماية كتير من حر الصيف. حكى إنه موجة الحر هادي نتيجة للاشياء اللي وقعوها الإسرائيليين في عملية الجرف الصامد. طبعا معندوش تفسير عقلاني لهادا الاعتقاد بس كان عندو منطق شخصي للموضوع: بالنسبة لعيلة مجدلاوي ولكتير عيل فلسطينية تانية هادا العدوان غير حياتهم وكل شي حواليهم بطريقة مش ممكن تغيريها أبدا، فليش الطقس يعني ميتغيرش؟
طلال فقد أخوه التوم عبد الله اللي عمره تلطعشر سنة واخوه عبد الرازق اللي عمره تسعطشر سنة!
ابنهم طلال بلعب كرة قدم على الكمبيوتر وبرفعش عينو عن الشاشة. واذا رفع عينيه عن الشاشة نظرته الشاردة رح توقع على صور اخواته الميتين: اخوه التوم عبد الله واخوه عبد الرزاق. صعب الواحد يعرف اذا الولد قاعد بستمتع باللعبة ولا لأ حتى انه ما ببتسم الا بصعوبة.
الليالي اسوأ إشي وطلال بقدرش ينام. راسه بوجعه والكوابيس بترجعلو. ابن التلطعشر سنة بستنى يطلع الفجر وعلى الساعة أربعة الصبح بترك البيت وبروح يسبح في الشط القريب منه هو وكم واحد من صحابو. كان يسبح بالعادة مع عبد الله، بس السنة الماضية في طيار إسرائيلي قصف بيت عيلتو بصاروخ. طلال كان قدام البيت وشاف الصاروخ وهو نازل على بيتهم. وبدل ما يهرب منه ركض لجوا البيت عشان يحذر إخوته. بس مكنش في وقت كفاية. اخواته التنين وابن عمه الصغير وبنت أخته انقتلو وراس طلال انشق كمان.
طلال بحكيش كتير. أغلب الوقت وجهو عليه تعبير ثابت وجدي وفي حزن كبير. بفرح شوية لما تيجي سيرة كرة القدم في الكلام. محمد صاحبه بيشرحلنا بعد ما طلع من البحر الدافي سباحتهم الصباحية: ” طلال بقدرش يلعب كرة قدم بسبب الإصابة”.
عبير فقدت بنتها روان
عبير أخت طلال الكبير اللي مات جوزها قبل سبع سنين لما كان يحفر بنفق في رفح على الحدود بين غزة ومصر. هدول الأنفاق اللي سكرهم النظام العسكري المصري حاليا، كانو شريان حياة لأهل غزة واقتصادهم المحاصر. بعد موت جوزها عبير رجعت لبيت أهلها، فعمليا طلال كبر وهو يلعب مع بنت أخته روان وولاد أختو التنين يحيى وأحمد.
روان كان عمرها تسع سنين وكانت أكبر وحدة باخوتها، وتدير بالها عليهم وتساعد امها عشان تعوض عن فقدان أبوها. كانت كمان تاخد الأولاد على المدرسة وتدير بالها إنهم يخلصو واجباتهم المدرسية وتجيب اغراض البقالة على البيت. أحمد اللي هلأ عمرو خمس سنين شبط على حضن امو اللي عبطتو بحنية وقالت: “روان كانت فاهمة وضعنا وفاهمة إنو أبوها ميت وإني محتاجة مساعدة. كنا نقضي كتير وقت مع بعض”.
هيام وأحمد فقدو إبنهم الوحيد محمود إبن التسع سنين
هيام متجوزة أحمد اخو عبد الهادي. بتغرق عينيها بالدموع لما تحكي عن ابنها الوحيد محمود: “استنيت عشرين سنة عشان يصير عندي ولد، انا تعالجت عشان أقدر احمل”. كانت هيام كتير بتخاف عالولد وبتضلها تحاول دايما تحميه بزيادة شوية. كانو يقضو وقت كتير مع بعض وكانت تخاف عليه لما يغيب عن عينها:” كنا نبني قلاع من الرمل ونلعب مع بعض!”. بتقول هيام إنو محمود كان أكبر من سنو وكان دايما يفضل صحبة الكبار على انه يكون مع الأولاد من جيلو. بتحمل هيام البوم الصور تبعهم اللي فيه صور محمود وصورها هي وجوزها، كانو عيلة سعيدة مرة.
عبد الهادي وعطاف فقدو ولدين، عبد الله وعمره تلعطشر سنة، وعبد الرازق وعمره تسعطعشر سنة، وحفيدتهم روان وعمرها تسع سنين وابن أخوهم محمود وعمره تمن سنين.
قتل العدوان على العيلة ولدين من اولاد عطاف عبد الله وعبد الرازق، أما ولادهم الأربعة الباقيين فتصاوبو. محمد ابنهم واللي عمرو تمنية وعشرين سنة بيعرج وهو ماشي في البيت. أغلب الوقت هو ساكت، بس بعدين بنفجر غضب بسبب خسارتهم اللي مش عارف شو مبررها. هو بنفسه اتكسروا إجريه التنتين وفيه شظية بجسمو. عطاف بتحكي وهي بتبكي: “كنت أدور لمحمد على عروس لما العدوان بدا. كان مفروض انه ينتقل هو وعروستو على وحدة من الشقق اللي في بيت العيلة اللي جددناه عشانهم. بس بدل هيك لما انضربنا سقف غرفة نومو وقع على راسو”.
في الأول كان عبد الهادي يزور المقبرة مرتين في اليوم بس هلأ بزور المقبرة كم مرة في الاسبوع. قبل هادي المحادثة معاه أحيو ذكرى الأربعة اللي انقتلو. أجو ناس من العيلة والأصحاب وأكلو تمر وشربو قهوة وتطلعو على الصور وحكو عن الأربعة اللي ماتو. عبد الهادي بقول:” احنا كعيلة متماسكين مع بعض بس حتى قعدتنا سوا بتعطيناش اي فرحة، البيت مليان عتمة”. العيلة بتحاول تفهم معنى شو صار معها وموجة الحر بتستمر بدون رحمة.
الأشخاص اللي انقتلو في العدوان في جباليا
2 أغسطس 2014
- عبد الرازق عبد الهادي محمود المجدلاوي 19 سنة، أخو طلال الكبير
- عبد الله عبد الهادي محمود المجدلاوي 13 سنة، أخو طلال التوم
- روان أحمد يوسف المجدلاوي 9 سنين، بنت أخت طلال
- محمود أحمد محمود المجدلاوي 8 سنين، ابن عم طلال