زكية ماضي فاقت من قيلولتها تبعت بعد الظهر. البيت انهز بعنف والغرفة تملت دخان وأنقاض وغبرة. كان في دم بنزل من راسها، بس هي قدرت تزيح الأنقاض من فوقها وتركض لتحت عشان تشوف شو صار بالبقية. سمعت، وهي نازلة، اولادها بصرخو إنو إسماعيل إبنها مات. مكنش في إشي بتقدر تعمله إلا إنها تلاقي تانيين لسا عايشين ويمكن تقدر تساعدهم.
يلعن أبو هديك الدار!
6 أشخاص انقتلواتحذير: بشمل هادا القسم مواد بصرية ممكن يعتبرها البعض غير مريحة
لما يذكرو إسمه إسماعيل برفع راسو وبتطلع. بكون قاعد على جنبية في زاوية الليوان وكانت العيلة اجتمعت تتذكر تفاصيل يوم الجمعة الأسود بعد سنة من العدوان. بالرغم من إنه الكل فكر إنه إسماعيل مات، إلا إن الجيران أنقذوه. إسماعيل اللي عمره هلأ عشرين سنة جمجمتو انسحقت وصار عندو أضرار في جهازو العصبي. إضافة لهيك إسماعيل ترك الدراسة اللي كان مفروض تأهله يصير ميكانيكي مرخص. هلأ هو بستنى معبر رفح يفتح عشان يترك غزة بس إسماعيل معندوش أمل كتير إنه هادا الإشي يصير قريب. أما سالم زوج زكية وأبو العيلة، فهو لما يسأل إبنو إسماعيل عن إشي ببين كأنه ممغيب. سالم بعيد السؤال كمان مرة بس الولد بجاوبش.
محمد أخو إسماعيل الأصغر منو كمان ترك المدرسة. سالم بيقول: “الولد انكسر! هو ترك الدراسة قبل الامتحانات النهائية الثانوية”. أما محمد فبيقول: “قضيت عمري في هالبيت، يلعن أبوه هداك البيت”. زكية بتعزره بس بابتسامة صبورة. هي شوي محرجة من غضبه قدام أغراب بس كمان بتتفهمه. زكية أشًرَت على راسها وحطت إيدها عليه و كأنها بدها تقول إن عقل إبنها مش مريحه بس هو بكمل يحكي: “أنا مش سائل، يدمروه هالبيت، أنا بس بدي إنو أخوي وبناته يكونو عايشين”.
محمد بيحكي عن أخوة بسام وزوجتو إيمان وبناتهم التنتين هلا وجنى. تنين تانيين من عيلة ماضي اللي انقتلو بهديك الضربة الجوية هم يوسف اللي عمره سنتين وهو ابن أخو محمد وأبوه اسمه أحمد، وسليمان عم محمد اللي مات بعد أسبوع في مصر اللي انبعت عليها عشان يتعالج.
زكية اللي عمرها تمنية وخمسين سنة شكلها أكبر بكتير من سنها بتقول إنهم شقيانين وتعبانين والشقا مبين على وجوههم وأصواتهم وخصوصي بأشكالهم اللي بتبين كأنهم مغيبين وحركتهم تقيلة كأنها إجريهم وإيديهم من رصاص. كأنهم استسلمو ولأنه فش خيار تاني ضلو مستمرين. حتى لما صار عندهم بيت جديد ماانبسطوش وحتى كانو كأنه غافلين إنه في تعمير وبُنا لبيت جديد.
رجعو للقصة. كان يوم جمعة بأول آب باليوم اللي صارو يعرفوه بالجمعة السودا. كان في وقف اطلاق نار مفروض يبدا الساعة تمنية الصبح بس بدل هيك الجيش الإسرائيلي بدا بعملية بسميها كود هانيبعل هدفها تحبط محاولة أخذ جندي إسرائيلي أسير.
هداك اليوم جهنم فتحت بوابها في رفح ومع هيك عيلة ماضي حست إنها بأمان عشان بيتها كان بعيد عن المنطقة اللي شهدت أغلب التفجيرات. كان في واحد وتلاتين شخص في بيت العيلة الكبير بهديك الجمعة. زكية وسالم اتصلو ببنت من بناتهم هداك اليوم وقالولها تيجي عندهم لأنهم كانو مفكرين إنو بيتهم أأمن. جابت بنتهم اولادها وكل العيلة تغدت مع بعض. بعد هيك تجمعو الستات جوا البيت ودردشو والرجال قعدو برا يحكو. بس بسام رجع جوا على البيت عشان يقعد مع زوجته وبناته. إيمان كانت حامل وكانت رح تجيب توم.
بسام كان جامعي بس بحب الزراعة، عشان هيك اشتغل بمزرعة في رفح. كان شغلو بشبه شغل أبوه في السبعينات والتمانينات لما كان يلقط الخضار في مزارع إسرائيلية. قطاع الزراعة الإسرائيلي اعتمد وبشكل كبير على العمالة الفلسطينية الرخيصة. بسام ضل بهادا الشغل سبعطعشر سنة وكان يفيق قبل الساعة ستة الصبح ويرجع للبيت لزوجته إيمان وبناته التنين هلا وجنى بعد المغرب. دايما كان سالم يمر على بيت أبوه قبل ويعطيهم أغراض بقالة ويتطمن عليهم. زكية بتبتسم لما تقول إنه بسام كان ألطف واحد بين ولادها السبعة وبناتها الأربعة اللي خلفتهم مع سالم. بسام كان لطيف بس كان يحب يضل لحاله أو يقضي شوية وقت مع الخرفان أو البط اللي بتملكهم العيلة.
بهديك الجمعة كتير من ولاد سالم وزكية وبناتهم وأحفادهم تجمعو ببيت العيلة الكبير. بالرغم من هيك كان مستحيل إنه الواحد يعمل حاله مش ملاحظ طيارات الاف سطعش فوق روسهم أو يتجاهل صدى قصفها الجوي. واحد من الأعمام صار يحاول يقدر كم قريب من قرايبهم ممكن ينقتل في هادا العدوان وبنفس هادي اللحظة القنبلة نزلت عليهم.
أربع مستشفيات
رغم إنه كانت في خطر انو تيجي ضربة تانية، جيرانهم لعيلة ماضي ركضو عشان يساعدوهم. زكية وزوجة بسام إيمان وبناتها التنتين بعتوهم على مستشفى على ظهر ترك. أول ما وصلو على مستشفى النجار وهي المستشفى الرئيسية في رفح فصلو زكية عن ايمان وبناتها. كانت زكية في حالة صدمة والدم لساتو بنزل من راسها بس أصرت على طاقم المستشفى إنهم يعالجو حفيداتها أول. زكية شافت جثث ناس فوق بعضها أكثر مما شافت ناس عايشين وكانت تركض بين الكوريدورات اللي مليانة جثث وناس متصاوبة تدور على حفيداتها التنتين. وبينما هي قاعدة تفتش في المستشفى الناس قالولها إنو راسها بنزل منه الدم بس هي مكنتش سائلة. الدكاترة قالولها إنهم يخلو المستشفى وسواء بتقدر تهرب ولا ما بتقدر فهي لازم تهرب لأنه مفيش وقت. كانت المستشفى لازم تسكر وتخلي المتصاوبين والطاقم الطبي لأنه كان في خطر إنه المستشفى نفسها تقصفها النيران الإسرائيلية. الناس كانت تهرب برعب وهي النيران الإسرائيلية تقرب من المستشفى أكتر وأكتر. كنة زكية إيمان وبناتها التنتين أخذوهم في سيارة اسعاف على مستشفى تاني وزكية هربت من المستشفى زي كل الناس اللي كانو هناك.
لما القنبلة سقطت على بيت العيلة، كان إجراء هانيبعل في أوجه. وكانت سيارات الإسعاف مش ملاحقة تناقل الناس من الأجزاء الجنوبية الشرقية لرفح ومحدش توقع إنه بيت بعيد عن منطقة القتال زي بيت عيلة ماضي إنه ينضرب. احتاجو المسعفين تقريبا عشرين دقيقة عشان يوصلولهم. بنفس الوقت هادا كانت في سيارة تابعة لتلفزيون فلسطين في المنطقة بدت تخلي الناس للمستشفى. سالم وبسام وحفيدهم يوسف كانو بسيارة التلفزيون ولما سمع سواق السيارة انو مستشفى النجار محل ما زكية راحت كان بتم إخلائها قام راح على المستشفى الكويتي بدل ما يروح على مستشفى النجار.
سالم كان حامل حفيدو يوسف لما وصلو المستشفى الكويتي اللي مكنش مجهز إنه يستقبل هادا العدد من المتصاوبين وكان عندهم بس سريرين في غرفة الطوارئ ومكنش في سرير يحطو يوسف فيه. بتذكر سالم هادا اليوم وبقول: “كنت محوط بعيلتي وكلهم متصاوبين وبعض منهم تقريبا ميت”. يوسف وبسام تم إخلائهم للمستشفى الأوروبي ولما أجو سالم وزكية يلحقوهم الطرق كانت مسكرة لأن المستشفى الأوروبي كان قريب لمناطق القصف. بسام مات الساعة تنتين الصبح من هديك الليلة ويوسف مات قبلو. سالم بتذكر وبقول: “قالولي روح على البيت، بس مكنش ضايل عندي بيت أروح عليه”.
سالم بالأخير ترك المستشفى وراح على المنطقة اللي ساكن فيها، وبس لما كان يسوق بين أنقاض بيتهم أدرك إنو بيتهم كان هدف التفجيرات الرئيسي.
مبرد الورد
الناس اللي انقتلت كان لازم تنبعت جثامينهم على عدة أماكن لحفظها. المشارح كانت مليانة لدرجة أن المستشفيات اضطرت تنسق مع ملاك تلاجات الخضار وحتى اللي عندهم تلاجات بوظة صغيرة عشان تستعملهم كأماكن لحفظ الجثامين تبعت الناس اللي انقتلت بعدوان يوم الجمعة الأسود.
جثامين إيمان وهلا وجنى انبعتو على كوخ صغير بمنطقة زراعية بعيدة في رفح. الكوخ كان فيه مبرد للورد كان بيستعمل لحفظ الورود النضرة اللي كان يصدرها قطاع غزة بكثافة. مكنش المبرد هادا فريزر بس كان أحسن مما بتقدر توفره بعض المستشفيات بهداك الوقت: غرفة عادية فيها الجثث مصفوفة على الأرضية والمراوح شغالة بأقصى سرعتها عشان يقدروا ومقدروش يمنعو الروائح المنبعثة من الجثامين اللي بدت تتحلل.
العيلة كان بدها تدفن بوسف وبسام وإيمان وهلا وجنى مع بعض، بعد يومين من الاعتداء جثامين يوسف وبسام تم ترجيعهم من المستشفى الأوروبي. القصف كان خف من يوم الجمعة بس الحقول محل ما فيه مبرد الورد مكنتش لسة آمنة. حاولت عيلة ماضي تنسق عبر الصليب الأحمر إنهم يمرقو ياخدو الجثث بدون ما يتعرضو لقصف من الجانب الإسرائيلي بس ما قدرش الصليب الأحمر يساعد ولا المستشفيات كان بدهم يبعتو سيارات الإسعاف تبعتهم ع هديك المنطقة.
محمد بيقول: “رحنا جبنا الشهدا بنفسنا”. الكل كان خايف والجو كتير متوتر. مجموعة رجال من ضمنهم محمد راحو بترك العيلة على مبرد الورد محل ما الجثامين اللي ملفوفة بشراشف بيضا مبقعة دم كانت محطوطة. كان في جثامين محطوطة على الأرض وجثامين محطوطة على الرفوف والناس كانت طالعة داخلة من المبرد وريحة الجثث كانت لا تطاق. محمد أخذ جثمان جنى بايديه ومتركوش عبين ما حطها تحت التراب.
زكية فاقت من قيلولتها وولادها راحو مرة تانية. كل يوم بعد الظهر بتركو البيت وبروحو على المقبرة عشان يزورو قبر أخوهم وزوجته وبناتهم. طلبت منهم زكية إنهم ميروحوش هناك كل يوم، بس مبسمعولهاش.
الأشخاص اللي انقتلو في العدوان في رفح
1 أغسطس 2014
- بسام سالم ماضي 33 سنة، ابن زكية وسالم
- إيمان نظمي ماضي 31 زوجة بسام الحامل
- هلا بسام ماضي 3 سنين، بنت إيمان وبسام
- جنى بسام ماضي سنتين، بنت إيمان وبسام
- يوسف أحمد ماضي 3 سنين، حفيد زكية
- سليمان سليم ماضي 53 سنة، أخو سليم واللي أعلن عن وفاتة يوم 8 آب في مستشفى في مصر