زي كتير عائلات في قطاع غزة كفاح ووسام زهقو من سيل الصحفيين اللي بيجي وبروح على بيوتهم من الصيف الماضي واللي بطلب منهم يحكو قصتهم مرة وحدة أخيرة. كفاح ووسام كانوا يقولولهم: “انتو بتيجو هون واحنا بنفتحلكم قلوبنا فبتاخدو اللي بدكم اياه وبتروحو وبتنسو وبتتركونا مع كل الذكريات المؤلمة مرة تانية”. بس هم بكملو يحكو قصتهم: “سمينا بنتنا الوحيدة أفنان على اسم بنت من غزة حفظت كل القرآن وطلعت على الأخبار من أكم سنة فاتو، بس أفنان اسم شوي صعب على النطق بس فلة سهل على اللسان، في الآخر الكل ناداها فلة”.
تموز 2014
17 تموز اللي وافق العشرين من رمضان واليوم التاسع من العدوان الإسرائيلي على غزة كان مفروض يكون يوم هادي لأنه كان في هدنة بين حماس وإسرائيل بدت من الصبح. فلة راحت تزور بيت ولاد خالتها. خالتها لأفنان كانت تموت عليها وتحبها كتير. فكانت تناغشها وتمزح معاها:” فلة، أعطيني شيكل وبخليكي تضلي هون! ما بدك؟ خلص ماشي، اعطيني ربطة شعرك إذن!”.
آب 2015
في غزة بعز الحر وبدون كهربا بعرفش الواحد حتى يشغل مروحة كانو وسام وكفاح بيسحبولهم كرسيين وبطلعو على سطوح الدار على أمل تيجيهم نسمة هوا تبرد عليهم. على حيطان بيت الدرج كان فيه بقع دهان بيضا مش منتظمة من أول بيت الدرج لآخره لحد ما توصل عند السطوح. على ظهر السطوح كان في عشة خشبية صغيرة بواجهة زينكو بدل من الخشب للطيور. كفاح قالت انها لهلأ بتعاني من قلة تركيزها من السنة اللي فاتت: “انا مش مركزة، يعني بنسى أشياء!”، بس ذكرى خسارتها كانت واضحة كتير في راسها.
تموز 2014
بالرغم من إنه إسرائيل الها تسع أيام بتقوم بتفجيرات في غزة الا إن الناس أصرت على صيام رمضان واللي هو شهر مقدس عند المسلمين. رمضان كمان شهر الاحتفالات الليلة اللي بتضل لوجه الصبح على ضو الفوانيس المعلقة بالشوارع. ميخائيل بن آري عضو الكنيست الإسرائيلي خاطب عامة الإسرائيليين وقاللهم: “سوف نجعل رمضان أسود عليهم!”. طبعا رمضان تحول أسود على أهل غزة بعد كام يوم من بدايته وإسرائيل بدت عدوانها على القطاع المحتل بعملية كان اسمها الجرف الصامد واللي حولت شهر رمضان أو شهر النور لشهرين من السواد والعتمة.
في مدينة غزة كانت فلة اللي عمرها تمن سنين تدير بالها على أخوها الزغير عبد الله زي ما بتعمل كل يوم من أيام رمضان. بهداك الصبح ساعدتو يغَسِل ويغير أواعيه، حضنته وقالتلو: “انا بموت فيك يخوي!”. بعد شوية اخدتو لبيت خالتها. بدت خالتها بمزحها المعتاد ومجاكرتها لفلة: “بدك تضلي هون؟ هاتي شيكل!”. فلة وهي مسموم بدنها طلعت شيكل من جيبتها وأعطته لخالتها اللي قالتلها: “طيب، بتقدري تخلي الشيكل تبعك معاكي اذا نضفتي الغرفة!”. كانت خالتها دايما تحاول تطلع فلة عن خلقها!
آب 2015
كفاح ووسام حكو عن عيلتهم لما كانو قاعدين على السطوح: “أخوي وزوجته خلفو جديد، بعد ما أخدو الإذن مني سمو بنتهم المولودة جديد أفنان، عشان كانو يحبو بنتي”.
تموز 2014
في خلال هدنة الخمس ساعات الناس دشعت في غزة وحواليها يجيبو أغراض بقالة أو يطمنو على عيلهم. بهادا الوقت كانت خالة فلة كالعادة بتناغشها وفلة بتاخد المزح جد وبالآخر ولعت معاها وقامت تركت البيت وهي معصبة ومشيت باتجاه بيتها. بكل الأحوال كان اليوم خميس وفلة كانت عارفة إنو عمها وولاده التنين نازلين بزيارة عائلية عندهم على البيت. كانت فلة تحب تلعب مع ولاد عمها وهي أصلا كانت البنت الوحيدة الزغيرة بين الولاد بعيلتها. كانت فلة وولاد عمها بالعادة يروحو يطعمو الطيور اللي أخو فلة الكبير عدي مربيهم على السطوح.
آب 2015
كفاح بتقول: “كل حدا قابل بنتي حبها، فلة كانت كتير كريمة. بهداك اليوم لما رجعت على البيت استعارت طقم الصلاة تبعي، لأنها أعطت طقم صلاتها هدية لوحدة من بنات عمومتها”.
تموز 2014
رجعت فلة على البيت وصَلًت. بعد هيك سمعت أصوات أخوها الكبير عُديً وتلاتة من ولاد عمها: باسل وجهاد ووسام جاية من بيت الدرج. كانوا طالعين على ظهر السطوح وحاملين معهم أكل للطيور. بتحب فلة تروح معاهم أكيد. أخوها عدي اللي كان بدير بالو على الطيور قال للولاد يستنو قدام العشة عبين ما ينظف جوا. كانوا الولاد يستعجلوه ويقولوله: يلا بسرعة استعجل احنا بدنا ندخل جوا كمان.
آب 2015
عشان فلة كانت البنت الوحيدة بين كل ولاد العيلة اللي بجيلها كانوا بدلعوها مرات حسن صبي. لما كانت كفاح تناغشها وتقلها يا حسن صبي كانت فلة تعترض وتقلها: “ماما، جيبلي أخت العب معها!”.
تموز 2014
كفاح كانت بتحضر إفطار رمضان بس لسة كان ضايل للمغرب وقت كتير وكانت فترة بعد الظهر هادية نسبيا بسبب الهدنة. قررت كفاح تاخد قيلولة على البلكونة قبل ما تروح السطوح وتقلي الخضرة. كانت بتفضل إنها تقلي الخضرة على السطح بلاش يتملى البيت الزغير بريحة القلي والأدام. غمضت كفاح عينيها فغفيت ونسيت الوقت بس فجأة فاقت على صوت انفجار. كانت الهدنة خلصت من نص ساعة. الكل في غزة بيعرف إنه إذا كنت في بيت انضرب بقنبلة بكون صوت الضجة تبع الانفجار كأنه مكتوم بالنسبة الك بس جيرانك رح يسمعوه أعلى مما إنت بتسمعه. هادي المعلومة كانت من البديهيات اللي بعرفوها الناس بغزة ورغم هيك صعب إنك تصدق إنهم ضربو بيتك. بس بطريقة ما، كفاح عرفت على طول إنه بيتها هو اللي انضرب.
آب 2015
عُدي مش قادر حتى يحمل قلم. من أربع شهور لهلأ أمه كانت بتكتب عنه واجباته المنزلية. الكوابيس اللي كانت بتلاحقه وقفت من حد ما رجع من المستشفى ع البيت وحس إنه أحسن مع عيلته وصحابو حواليه. بس قدرته على التركيز تأثرت وإصابته بايديه خلت من الصعب عليه يكتب في المدرسة. كانو معلمين عدي داعمين إلو ومتفهمين حالتو وعلاماته كانت عالية. بس أجا بيوم وقال لأهلو انو بدو يحول من الفرع العلمي للفرع الأدبي في المدرسة. الفرع الأدبي بعتبروه الناس أسهل في غزة. أهلو قالوله: “زي ما بدك اعمل!”. كان عدي طالب كتير مميز ودايما ياخد أعلى علامات بالزبط زي أخته.
تموز 2014
نطت كفاح من محلها من صوت الانفجار وركضت لجوزها وسام وقالتله: “وسام الضربة في بيتنا!”. وسام مصدقهاش بالأول وتطلع من الشبابيك يدور على دخان طالع من فوق بيت من بيوت الجيران بس ملقاش إشي. بس لما طلع من الغرفة شاف فجوة في سقف الحمام : “يالله! الولاد على السطوح!”، هيك طرقت بباله وركض على فوق وهو حافي.
آب 2015
أجت جميعة خيرية لكفاح وسألتها اذا بتحب تتبرع بأغراض بنتها. غرفة فلة لسا زي ما هي وأواعيها مطويين برتابة في الخزانة وفي لعبتين كمان مسنودين على رف. كان في تلات لعب بس قبل ساعات من الهجوم على بيتهم بس كانت فلة معطية لعبة منهم لبنت من بنات عمومتها.
تموز 2014
قذيفة أطلقتها طيارة بدون طيار على سطوح بيت عيلة شحيبر وانفجرت وطارت الشظايا بكل اتجاه. كل خزانات المي انضربت والمي طفحت وغَرقت السطوح وبيت الدرج. الانفجار وقًع الولاد فوق بعضيهم وعدي وقع في زاوية. كان وسام يركض للسطح وهو حافي فجرح إجريه ولما وصل للسطوح تجمد وهو يصرخ: “يالله، يا الله، يا الله!”
آب 2015
كفاح بتحكي وهي هادية بس الدموع بتسقط على خدودها. وسام بيقول إنه كفاح لسا بتبكي في الليل وإنه بطلب منها إذا بتقدر تبكي أقل، لأنو البكا بعَذًب الميت حسب معتقد إسلامي قديم. إنهم يحكو عن العدوان مرة تانية هو إشي مرهق للزوجين كفاح ووسام بس مش بألم إنهم فقدو بنتهم الصغيرة. أمها كفاح بتحكي والدموع بعنييها:” فلة كانت ممتازة في المدرسة، كانت بتقدر تتعلم أسرع من كل الولاد التانيين، كل اللي قابلها حبها سواء من العيلة أو المدرسة أو في المسجد!”.
تموز 2014
وسام شاف الولاد مكومين فوق بعض على السطوح ولجزء من الثانية معرفش شو لازم يعمل، قال:” تساءلت إذا رح يكون في كمان ضربة جوية بس فوضت الأمر لله وجريت عشان أساعدهم. إبني البكر عدي كان يئن من الوجع ويقولي يابا أنا تصاوبت!”. بس وسام كان مصدوم وفي هادي اللحظة صرخ على إبنه عدي وقله يسكت عبين ما يشوف شو صار بالاولاد الزغار. الولدين الزغار جهاد وسام مكانوش بتنفسو بس باسل وفلة كان واضح إنهم لسة عايشين. وسام أخد الولاد بإيديه وحاول يحملهم لتحت بس الدرج كان بزحلق ومبلول من المية تبعت الخزانات واللي كانت تنزل على بيت الدرج. وسام كان حافي ومجروح باجره فوقع وهو حامل الاولاد، الدم من فلة وباسل لطخ كل حيطان بيت الدرج. باسل كان كأنه بيطلع بالروح. كفاح ركضت على بيت الدرج وأخدت باسل منه وفلة صاحت: “يابا، إيدي…..” وصل وسام لمدخل بيته وشاف الناس بتتجمع حواليه عشان تساعده وبعدين أغمى عليه.
آب 2015
الدم اللي غطى بيت الدرج اتغطى بدهان أبيض. عشة الحمام تقريبا فاضية. وسام حكى: عشة الحمام كان فيها تقريبا 30 طير انقتل منهم تلاتة مع صيصانهم وكتير من الطيور طارت بعيد ومعاودتش رجعت بعد الانفجار زي ما الطيور بتعمل. عدي مكنش قادر يضل يدير بالو على الطيور الباقية، أبوه قله يبيعهم، واليوم مضلش في العشة الا ست طيور
عدي خضع لعدة عمليات جراحية من وقت الهجوم والشظايا سببتلو مشاكل كبيرة في معدته وإيده اليمين وإجره. طالما ما في حدا بجيب سيرة الهجوم عدي بكون منيح. بس اذا حدا بجيب سيرة التفجير ببدا يمغيب. المشكلة مع عدي إنو ما فقد وعيه أبدا خلال الهجوم وضل ممدد على الأرض وشاف كلشي صار، شافهم بموتو وما قدر يساعدهم.
هادا باسل شحيبر، ابن العشر سنين بعد شهرين بس من ضربة الطيارة بدون طيار الإسرائيلية.
لما يعصب بحطم الأشياء أو بضرب أخته كف، حتى المهدئات اللي وصفولو اياها الدكاترة ما نجحت تماما انها تزيل نوبات الغضب، بس لما يهدى باسل بالأخير، بتجيه موجه من وجع الراس.
ضربة الطيارة بدون طيار تركته مع اصابات خطيرة في راسه ودراعه وايدو. قطعة من جمجمته انفقدت. كمان شظية دخلت راسه وعبرت ع كل جسمه. يا دوب نجا بعد ماقعد يومين فاقد الوعي. بعد هيك سافر باسل على ألمانيا عشان يشيل الشظية من راسو. كان في أضرار في جهازه العصبي وكان لازم يعلاج ايدو، الدكاترة كمان زرعو لوائح معدنية بايدو عشان يساعدو العظم يلحم.
لما زرناه بعد بسنة كان اضعف مما كان يبين في الصورة بس كمان بين أقل ارهاق من قبل. لسا كان بعاني من نوبات غضب بس حتى هدول صارو يجولو بشكل أقل مع الوقت. باسل مكنش يحكي كتير، بس مكنش مكشر كمان. في الحقيقة، هو ابتسم. قضى شهور في ألمانيا وتركيا بيعمل جراحات في ايدو وراسو. أمه بتقول انه بيتحسن بس لسا بعاني من وجع في ايدو ومن نوبات وجع الراس. جسمه لسا مليان بشظايا اللي ممكن تكون مسرطنة.
الولاد الغزيين اللي عانوا من صدمات خلال الحرب كان عندهم مشاكل في التحصيل الدراسي، وباسل نفس الاشي كان عندو، بالنسبة الو التركيز لفترات طويلة وحفظ الاشياء صار اصعب من قبل. أم باسل بتعمل كلشي بتقدر عليه عشان تساعدو، المدرسة اشي أساسي، وحتى مع أنه باسل مكنش قادر يكتب اشي بسبب ايدو المصاوبة كان لسا بداوم في المدرسة. باسل بقول كمان انه الكوابيس اللي كانت تلاحقه أول شهور من الاصابة بطلت تجيه هلأ. كمان بطل باسل يتحاشى الناس زي من قبل بس كمان انه يقضي وقت مع الولاد التانيين لساتو اشي صعب الو. باسل بيقول: « بسبب إصابتي، بتعب وبصير عندي وجع راس وبخاف انه الجرح اللي براسي يرجع ينفتح، عشان هيك مرات بفضل اضل لحالي ».